الـصـمـت لـغـتـى
عفريت مميز
عدد المساهمات : 343
مـزاجـى : الجنــس : دولـتــى : عمــلــى : هـوايتى :
| موضوع: كره القدم والسياسه الخارجيه السبت 22 مايو 2010 - 21:35 | |
| قدمت مباراة كرة القدم، التي تمت بين الفريقين القوميين لكل من مصر والجزائر (يومي 11/14 في القاهرة، و18 /11 في الخرطوم)، نموذجا مهما للكيفية التي يمكن أن تؤثر بها المنافسات الرياضية علي العلاقات الثنائية بين دولتين، وكيف يمكن أن تؤثر العوامل المرتبطة بظروف تلك الرياضة علي السياسة الخارجية لدولة إزاء دولة أخري.
والواقع أنه ليس هناك شك الآن في الدور الذي تلعبه كرة القدم بالذات في هذا المجال. فلأسباب عديدة، تتمتع تلك الرياضة بشعبية هائلة لا تدانيها شعبية أي لعبة أخري، خاصة في قارات أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، ولا تقل الأبعاد والآثار المترتبة علي تلك الشعبية سياسيا عنها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، سواء علي صعيد السياسة الداخلية، أو علي صعيد السياسة الخارجية، والعلاقات الدولية.
وهناك أكثر من سبب -تناولها المحللون لذلك التأثير لكرة القدم :
- فالممارسات والطقوس التي تصاحب تشجيع كرة القدم، في المباريات الدولية، تستخدم وتحيي الرموز الوطنية والسياسية (مثل الأعلام، والنشيد الوطني، والأغاني الحماسية..)، وكأنها تعزز فكرة المواجهة أو الحرب بوسائل أخري، مما يعني أن كرة القدم -في الواقع توفر مجالا للمنافسة في إطار خاضع للتحجيم والسيطرة.
- كما توفر مباريات كرة القدم -من ناحية ثانية- فرصة لتبادل إشارات سلمية تصالحية في حالات انقطاع العلاقات بين دولتين أو فتورها (كما حدث بين اليابان وكوريا الجنوبية في بطولة كأس العالم لعام 2002).
- كذلك، فإن كرة القدم قد تسهم في التآلف بين أطراف علي وشك الدخول في صراع مسلح (مثلما تم في تهدئة الصراع الداخلي في ساحل العاج عام 2008)، وفي حالات أخري مشابهة، وقد تؤدي علي العكس- إلي تأجيج صراعات بين دولتين مما يمكن أن يصل إلي المواجهة المسلحة، كما حدث في الصراع الشهير بين هندوراس والسلفادور عام 1966، عقب مباراة كرة القدم التأهيلية لنهائيات كأس العالم.
غير أن الأثر السلمي والتصالحي في مباريات كرة القدم سوف يظل أكبر بكثير من الأثر العدواني التصادمي بين الشعوب، الأمر الذي يفسر حماس بعض الآراء علي المستوي الدولي خاصة من جانب الشباب- لمنح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جائزة نوبل للسلام.
إن تلك الأهمية السياسية (الخارجية أو الداخلية) لكرة القدم توضح المدي الذي يمكن أن يؤثر به المشتغلون بتلك الرياضة، والمسئولون عنها (سواء علي مستوي اللاعبين، أو الأجهزة الرياضية، أو الصحافة والإعلام الرياضيين) أحيانا، علي توجهات أو سلوكيات في السياسة الخارجية.
في هذا الإطار، يمكن تحليل ونقد ما أحاط بمباراتي كرة القدم، المشار إليهما بين مصر والجزائر في نوفمبر 2009، من ملابسات سياسية ذات أبعاد داخلية وخارجية.
وليس جديدا هنا الإشارة إلي أن كرة القدم (باعتبارها الرياضة الشعبية الأولي في مصر) تلعب دورا كبيرا لا يمكن إنكاره في امتصاص كثير من الطاقات والاهتمامات من جانب قطاعات كبيرة من الشعب، خاصة بين الشباب. وربما يلفت النظر (وهو بالفعل ما يحظي بتعليق دائم من المحللين الأجانب) ذلك الإقبال الهائل علي مشاهدة مباريات الكرة، أو تلك التجمعات والمظاهرات الحاشدة، احتفالا بانتصار فريق علي آخر، من جانب جماهير تعاني مشاكل معيشية يومية، ليست في حاجة لإعادة التذكير بها.
غير أن الأخطر من ذلك هو الاستناد إلي الفوز في مباريات كرة القدم الدولية كمناط لشرعية وكفاءة النظام السياسي. وهي علي أية حال ممارسة خطيرة، تجعل صورة النظام وشعبيته مرهونة بأقدام اللاعبين ومهاراتهم! حقا، إن ازدهار الرياضة في أي مجتمع هو بلا شك إحدي الدلالات علي كفاءة نظامه السياسي، ولكن الرياضة ليست بالقطع هي فقط كرة القدم.
في هذا السياق، نستطيع أن نفهم بشكل أفضل لماذا كان هذا التركيز المبالغ فيه للغاية علي تلك المباراة (كمحطة للوصول إلي تصفيات كأس العالم)، ولماذا كان الأداء متواضعا في كل نواحي ومراحل تلك الأزمة.
النقطة الأولي هنا تتعلق بالشحن أو التعبئة المعنوية. فلقد شهدت الأيام السابقة للمباراة الأولي بين البلدين، التي أقيمت في مصر في 11/14، شحنا معنويا غير مسبوق، ونظر الإعلام الرسمي (الحكومي) للمباراة باعتبارها علامة فاصلة علي 'التحول التاريخي' الذي تحقق في مصر، وصورتها الصحافة المستقلة باعتبارها فرصة لمناسبة يشعر فيها المصريون بالفرحة أو 'كبسولة انتصار'، وفقا لأحد المانشيتات. ولم تترك مانشيتات الصحف في اليوم التالي للانتصار فرصة لأي شك باعتباره إنجازا قوميا هائلا. والأمر نفسه وبدرجة أكبر- انطبق علي الشحن المعنوي قبل المباراة الثانية في السودان يوم 11/18، حيث وصلت التعبئة النفسية إلي حدها الأقصي، مما انعكس علي مانشيتات صحفية من نوع 'مصر تلعب علي خط النار في أم درمان'، و'من المريخ (أي استاد المريخ السوداني) .. إلي التاريخ!'، و'80 مليون مصري في انتطاركم'! ولذلك، لم يكن غريبا حجم الإحباط الهائل الذي سببته الهزيمة في مباراة للكرة، إلي الحد الذي جعل إحدي الصحف الحكومية تصيح في المانشيت الرئيسي لها، 'دع العلم مرفوعا'!!
وفي هذا السياق، لعب أغلب المعلقين السياسيين والرياضيين في القنوات المصرية دورا سلبيا للغاية، سواء في الحشد قبل المباراة، أو في الشحن المعنوي ضد الجزائر والجزائريين! كشف عن إحدي الحقائق المفزعة في الإعلام المصري، أي التواضع المهني والسياسي للغالبية العظمي من أولئك المعلقين.
النقطة الثانية تتعلق بدلالة الطريقة التي حشد بها الجمهور المصري في المباراة بالخرطوم. ففي حين نقلت الطائرات الجزائرية آلاف المشجعين من الجمهور المعتاد للكرة، لم تتح الفرصة علي الجانب المصري- إلا للقادرين علي تكاليف التذاكر الغالية (التي قيل إن بعضها بيع في السوق السوداء)، وتكاليف السفر إلي الخرطوم. وهو جمهور بدا واضحا اختلافه البين عن الجمهور الجزائري! وما انعكس بالتالي علي سلوكهم في الملعب، وخارجه بعد المباراة.
النقطة الثالثة تتعلق بمدي كفاءة الأجهزة الرسمية المصرية (الدبلوماسية والرياضية والأمنية) في التعامل مع الحدث، سواء قبل مباراة الخرطوم أو أثناءها أو بعدها. ويستطيع أي مطالع للصحف في الأيام السابقة للمباراتين (خاصة المباراة الثانية) أن يلاحظ بكل سهولة مظاهر الحشد الشعبي في الجزائر والخرطوم، والذي ذهب إلي حد التدمير الكبير للشركات والمنشآت المصرية في الجزائر، ومطاردة وإيذاء الجمهور المصري في شوارع أم درمان.
النقطة الرابعة تتعلق برد فعل أغلب الصحف والمحطات الفضائية إزاء الهزيمة في مباراة أم درمان، وتحويلها من مجرد خسارة رياضية في لعبة كرة القدم إلي خسارة سياسية فادحة في العلاقة بين مصر وبلد عربي له أهميته ومكانته، بل وإلي إنكار فكرة التضامن العربي أو العروبة والاستخفاف بها.
والنقطة الخامسة هي فشل الإعلام المصري، والأجهزة الرسمية المصرية، في نقل وجهة النظر المصرية إلي العالم الخارجي حول تلك المباراة، بما في ذلك اتحاد كرة القدم الدولي نفسه- الفيفا!
إن تلك النواحي جميعها توجب التوقف عندها وفحصها، واستخلاص الدروس منها، ولكن الأهم من ذلك كله هو الحرص علي ألا تؤثر تداعيات تلك المباراة سلبيا علي العلاقات المصرية - الجزائرية. فمن المؤكد أن المصالح المتبادلة بين البلدين أكبر وأهم بكثير من أي انفعالات رياضية أو كروية، أيا كانت حساسيتها وإثارتها المؤقتة للمشاعر والعواطف.
| |
|